ثقافة

الأدب الجزائري المقاوم: وثيقة تاريخية وسلاح مواجهة

محمد علي فقيه /الميادين

في الذكرى الـ60 لاستقلال الجزائر، ماذا تعرفون عن أدب المقاومة في الجزائر، الذي شكّل واحدةً من أهم أدوات مواجهة الاستعمار الفرنسي؟

  • العديد من الكُتّاب الجزائريين كتبوا روايات ضد الاستعمار باللغتين الفرنسية والعربية

تعود أولى اهتماماتي بالأدب الجزائري إلى العام 2000، بعد انتصار لبنان على “إسرائيل”. بالصدفة حينها ذكر لي أحد الكُتّاب عنواناً لافتاً هو “الشهداء يعودون هذا الأسبوع”، يتناول معاناة ما بعد الاستعمار الفرنسي في الجزائر.

يومها، قررت العمل على جمع الروايات التي تتحدث عن “الأدب المقاوم”. وفي خضمّ البحث اكتشفتُ أنَّ الأدب الجزائري هو الأدب الأهم عربياً ضمن هذه المدرسة، فيما يعتبر الأدب الصيني الأهم عالمياً.

في أجواء الذكرى الـ60 لاستقلال الجزائر، ارتأينا التوقف أمام تجربة “الأدب المقاوم” فيها، إذ أفرزت تجربة المقاومة الجزائرية مدرسةً نموذجيةً في علم “الأدب المقاوم”، تُحتذا في كل جامعات العالم.

يقول الشاعر والروائي مالك حداد: “اللغة الفرنسية منفاي، لذا قررت أن أصمت”. فعلى الرغم من أنَّ الروائيين الجزائريين الأوائل اتّخذوا من اللغة الفرنسية وسيلةً للتعبير، إلا أنَّ روح الكتابة كانت عربيةً. فتحوّلت أعمالهم إلى مواضيعَ للكثير من الدراسات والأبحاث الأكاديمية والنقدية، ومحوراً للكثير من اللقاءات والندوات المحلية والدولية . وهذا ما يؤكّد قوّة الرواية الجزائرية، وقوّة سرديتها وسحر نصها.

على الرغم من أنَّ الروائيين الجزائريين الأوائل اتّخذوا من اللغة الفرنسية وسيلةً للتعبير، إلا أنَّ روح الكتابة كانت عربيةً.

نذكر من الروائيين الجزائريين الذين كتبوا روايات ضمن إطار “الأدب المقاوم”:

1- محمّد ديب، صاحب ثلاثية ” الدار”، المكونة من رواياته “البيت الكبير” (1952)، و”الحريق” (1954) التي تنبّأ فيها بالثورة الجزائرية، والتي اندلعت بعد صدورها بثلاثة أشهر،  و”النول” (1957).

  • الكاتب محمد ديب

تعتبر هذه الثلاثية من أجمل ما كتب ديب في الأدب الروائي الجزائري، بل من أجمل الروايات في الأدب الواقعي. واستطاع من خلالها تصوير ظروف الجزائر في فترةٍ حالكةٍ من تاريخها تحت وطأة الاستعمار الفرنسي.

نشر ديب 3 روايات هي “إله وسط الوحشية” عام 1970، و”سيد القنص” عام 1973، و”هابيل” عام 1977. ترك محمد ديب أكثر من 30 مؤلفاً، منها 18 رواية، آخرها “إذا رغب الشيطان”، و”الشجرة ذات القيل” عام 1998، و5 دواوين شعرية منها “آه لتكن الحياة” عام 1987، و4 مجموعات قصصية منها “الليلة المتوحشة” عام 1997، و3 مسرحيات آخرها “ألف مرحى لمومس” عام 1980. إلى جانب ترجمته للكثير من الأعمال من اللغة الفنلندية إلى الفرنسية.

2- مالك حداد، صاحب “الانطباع الأخير”، أولى رواياته التي كتبها في عام 1958 كتحية للثورة الجزائرية في عامها الرابع، ونشرها بعد ديوانه الأول “الشقاء في خطر”، الذي  كان أول من ترجمه للعربية الأديبة ملك الأبيض، زوجة الشاعر العربي سليمان العيسى، وكانت ترجمات أبيض أشبه باستعادة جميلة لهذا الكاتب والشاعر

ولحداد روايات أخرى منها روايته الرائعة “سأهبك غزالة”، التي صدرت عن “الدار التونسية للنشر” سنة 1968، وترجمها للعربية التونسي صالح القرمادي، حيث  قورنت برائعة الأديب الإيطالي إيتالو كالفينو “لو أن مسافراً في ليلة شتاء”. وله رواية أخرى بعنوان “رصيف الأزهار لا يجيب”، التي أصدرتها دار “غاليمار” في باريس سنة 1961، ونشرت “الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر” ترجمتها بالعربية سنة 1970، بقلم المترجم السوري ذوقان قرقوط.

3- صاحب رائعة “نجمة” المشهورة، الروائي والشاعر كاتب ياسين، كواحدٍ من أهم كتاب ورموز الثورة الجزائرية، التي وصف فيها تاريخ بلاده الجزائر وعلاقة الشعب الجزائري بها، وذلك من خلال تمثيل رمزي صاغه عبر شخصيات الرواية الذين يدورون حول بطلة الرواية “نجمة”، التي ترمز للجزائر.

  • الأديب كاتب ياسين

وقد كتب ياسين عدداً من المسرحيات التي توصف بأنها “مسرحيات ثورية” مثل “دائرة القصاص”، و”الجثة المطوقة”، و”الأجداد يزدادون ضراوة”، وغيرها من الأعمال التي عرضت على مسارح مدن الجزائر المختلفة.

ومن بين كتاب تلك المرحلة الحبيب بناسي (1928-1956)، مؤلف قصتَي “شهيد بلا قبر”، و”مأساة أسرة” التي يصور فيها الجندي الفرنسي على أنه سيئ الخلق عديم الإنسانية.

‏تتحدث قصة “شهيد بلا قبر” عن شاب مثقف تخرج من كلية الآداب في جامعة القاهرة، وفي أثناء وجوده في القاهرة كان يراسل الصحف الوطنية في الجزائر، ولكنه ما إن سمع بقيام الثورة حتى عاد إلى بلاده، إلا أن سلطات الاستعمار سارعت فألقت القبض عليه بتهمة أنه همزة وصل بين القاهرة، والثورة في الجزائر، ثم أدخلته إلى غياهب السجن، ولما رفض البوح بأسرار الثورة قتل، ثم رموا جثته في البحر.‏

من بين كتاب تلك المرحلة الحبيب بناسي (1928-1956)، مؤلف قصتَي “شهيد بلا قبر”، و”مأساة أسرة” التي يصور فيها الجندي الفرنسي على أنه سيئ الخلق عديم الإنسانية.

وصور في قصة “مأساة أسرة” -وهي قصة وطنية- نهاية أسرة جزائرية ثرية تملك أراضي واسعة، وضيعة جميلة، وبضعة سيارات فاخرة، ألقت السلطات الاستعمارية القبض على معيلها، بعد أن أخطرها حساده بأنه يؤوي في بيته مجموعة من المجاهدين نهاراً، ويقدم إليهم كل ما يحتاجونه. وفي هذه القصة تتجلى طريقة بناسي في الحديث عن انتشار أخبار الثورة، وتغلغلها في البيئات الجزائرية. 

 ووصل تأثر هذا الأديب بالثورة الجزائرية إلى درجة تأسيس حركة فدائية، إلى أن اكتشف أمره واستشهد في 15 كانون الأول/ديسمبر 1956، في ولاية سيدي بلعباس.

تعتبر فترة السبعينيات من القرن الماضي فترة ميلاد الرواية الجزائرية الحديثة المكتوبة باللغة العربية، على يد مجموعة من كبار الكتاب، فارتبطت النشأة الجادة للرواية الفنية الجزائرية برواية “ريح الجنوب” لعبد الحميد بن هدوقة، التي كانت أول رواية جزائرية مكتوبة باللغة العربية، ونشرت في سنة 1971، بعد تسع سنوات من استقلال الجزائر.

  • الكاتب عبد الحميد بن هدوقة

ونجح ابن هدوقة في كل رواياته في تصوير معاناة الشعب الجزائري أثناء الاستعمار الفرنسي، ومدى بسالة هذا الشعب في صد كل محاولات الإذلال والقمع التي كان ينتهجها المستعمر تجاهه.

ولعبد الحميد بن هدوقة مجموعة قصصية بعنوان “الأشعة السبعة”، التي تحتوي ثلاث عشرة قصة تدور حول الممارسات الوحشية للاستعمار الفرنسي.

وقد قاسم دهوقة في ذلك، الأديب الطاهر وطار، الذي عُدَّ بدوره رائد الرواية الجزائرية، بل لُقِّب “أبو الرواية الجزائرية”. وقد ساهمت رواياتهم في ترسيخ الرواية الجزائرية باللغة العربية.

لعبد الحميد بن هدوقة مجموعة قصصية بعنوان “الأشعة السبعة”، التي تحتوي ثلاث عشرة قصة تدور حول الممارسات الوحشية للاستعمار الفرنسي.

استطاع وطار عبر أعماله الروائية المتعددة رسم ملامح الشخصية الجزائرية أثناء ثورة التحرير وبعد الاستقلال. فتطرّق في روايته المشهورة “اللاز”، التي صدرت عام 1974، إلى جزائر ما بعد الاستقلال. ورصد تناقضات الثورة الوطنية الجزائرية. وقد نجح وطار في كل رواياته في رصد التغيرات التي مر بها المجتمع الجزائري.

  • الكاتب الطاهر وطار

ويعتبر وطار بأن “الثورة الجزائرية التي هزّت العالم بوجهٍ عام، والعالم العربي والإسلامي بوجهٍ خاص، كانت عاملاً أساسياً في كتابته لمجموعات قصصية أخرى دارت حولها.

ويكفي ما كتبه الراحل الطاهر وطار حول ذلك، ابتداء بقصته الرائعة “الشهداء يعودون هذا الأسبوع”، التي تتحدّث عن تلقي عم العابد بن مسعود رسالة غامضة ومقتضبة، مفادها أن “الشهداء يعودون هذا الأسبوع”، وهي أداة يستخدمها الكاتب ليقدم كشف حساب للذين قاتلوا وفقدوا حياتهم عمّا آل إليه وطنهم بعد الاستقلال، فيجدون الانتهازية والفساد ومدعي النضال يحصلون على امتيازاتٍ مقابل شيء لم يقدموه، وسوء استغلال السلطة وخيانة مبادئها.

يعتبر وطار بأن “الثورة الجزائرية التي هزّت العالم بوجهٍ عام، والعالم العربي والإسلامي بوجهٍ خاص، كانت عاملاً أساسياً في كتابته لمجموعات قصصية أخرى دارت حولها.

وعن هذ المرحلة هناك رواية مهمة جداً بعنوان “البطاقة السحرية” لمحمد ساري، تحاول كتابة التاريخ الجزائري المعاصر، ‏إذ تؤرّخ لحدثٍ سياسي واجتماعي ممتد من زمن ما قبل الاستقلال إلى ما بعده. وتتضمن مجموعة من الإحالات التاريخية والاجتماعية التي تحتضن مناخ الرواية مكاناً وزماناً.

يقول محمد ساري: “هذه الرواية عالجت موضوع الصراع بين المجاهدين إبان الثورة التحريرية، وتم كتابتها بناء على قصة من الواقع، وقعت في منطقة القبائل سنة 1983 عندما قتل أحد المجاهدين الحقيقيين حركياً”. ونشرت الرواية في عام 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى