الشرق برس 21فبراير 2024
–نشرت صحيفة “بوليتكيو” الأمريكية تقريراً تناولت فيه معلومات عن فرض بعض الدول العربية، ومن بينها دولة الإمارات العربية المتحدة، قيوداً متزايدة، على استخدام الولايات المتحدة لمنشآتها العسكرية في أراضيها، لشن غارات جوية انتقامية على الميليشيات التابعة لإيران في المنطقة.التقرير الذي نشرته الصحيفة ربط بين ما يجري حالياً في المنطقة وبين القيود التي تفرضها بعض الدول على استخدام المنشآت الأمريكية، إلا أنه لم يتطرق إلى جذور الموضوع المرتبطة بأزمة الثقة التي باتت تغلف العلاقة بين واشنطن وعواصم عديدة في المنطقة، نتيجة السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط وأزماته خلال السنوات الماضية، وذلك بحسب خبير مختص بقضايا الشرق الأوسط.ويؤكد الخبراء أن المعلومات التي أوردها التقرير إن صحت فلها ما يبررها، ولها جذور سياسية تعود إلى فترة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما والذي بدأت في عهده بوادر الاستدارة الأمريكية نحو آسيا، والتراجع عن التزاماتها الاستراتيجية تجاه أمن الشرق الأوسط وقضاياه، وهذا التوجه استمر منذ ذلك الحين إلى ما قبل الأحداث الأخيرة المرتبطة بالحرب الإسرائيلية في غزة، إذ ترسخت قناعة تامة لدى دول المنطقة أن واشنطن ليست معنية كثيراً بما يحدث في المنطقة ولها أولويات أخرى خاصة فيما يتعلق بالمنافسة مع الصين.أزمة الثقة بين أمريكا والمنطقة مرت بمراحل عديدة ومختلفة، وقد تكون بدايتها الحقيقية مع تعامل إدارة أوباما بنوع من البرود مع شواغل الدول الخليجية تجاه أمن المنطقة، ففي الوقت الذي كانت واشنطن تتفاوض مع إيران على الاتفاق النووي، لم تشرك الدول الخليجية في المفاوضات ولم تأخذ بمشاغلها الحقيقية المرتبطة بالقضايا الأخرى غير النووية، وهذا ما أدى إلى سنوات من التوتر في المنطقة، وهذا ما خلق نوعا من الشعور بأن واشنطن بعيدة عن حلفائها في الإقليم.المحطة الأخرى التي عززت من فجوة الثقة بين المنطقة وواشنطن والتي كانت تعتبر شريكاً استراتيجياً جاءت مع التعامل الأمريكي مع الحرب ضد الحوثيين في اليمن، ففي الوقت الذي لم تقدم أمريكا مساعدة حقيقية وازنة لمجهود دول التحالف العربي لمنع الخطر الحوثي، قامت بإعاقة الحسم العسكري الذي كان في متناول اليد، حيث كانت قوات التحالف العربي والقوات اليمنية على بعد كيلومترات قليلة من تحرير الحديدة وضمان أمن الممرات المائية، إلا أن الموقف الأمريكي كان مخيباً للآمال، وأوقف بشكل غير مباشر إنهاء العملية العسكرية وتحييد الخطر الحوثي نهائياً؛ الأمر الذي أدى إلى ما وصلت إليه الأمور حالياً، بحيث أصبح الحوثيون رأس حربة لتهديد حركة التجارة الدولية في الممرات المائية الدولية.ويضيف الخبراء أن الانسحاب الأمريكي المفاجئ وغير المتوقع من أفغانستان كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر الثقة بين واشنطن وحلفائها، إذ بدأت واشنطن انسحاباً سريعاً دون العودة إلى أي من الحلفاء، لتترك المنطقة دون أي ترتيبات مسبقة.كل هذه المحطات خلقت نوعاً من انعدام الثقة بين دول المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية، فكيف لأي دولة أن تغامر في الذهاب بعيداً مع واشنطن، وهناك تجارب عديدة من الخذلان الأمريكي؟ إذ إن مبدأ التحالف الاستراتيجي يعني بالضرورة المساندة والدعم الكامل عندما يحتاج لذلك أحد الحلفاء.ولم يستبعد الخبراء أن دولة الإمارات فرضت قيوداً بشأن استخدام الولايات المتحدة لمنشآتها العسكرية لتوجيه ضربات انتقامية ضد الميليشيات التابعة لإيران، خاصة وأن الهجوم الحوثي على مرافق مدنية في أبوظبي في مطلع العام 2022 قوبل بموقف أمريكي كان مستغرباً جداً، حيث لم تقم القيادة الأمريكية الوسطى والتي تحتفظ بقاعدة لها في الظفرة بواجباتها التعاقدية المفترضة، وهذا ما ينسحب كذلك على صفقة شراء طائرات “إف 35” نتيجة التردد الأمريكي والشروط المرهقة التي بدأت إدارة الرئيس بايدن بفرضها خلال المفاوضات؛ الأمر الذي أدى أخيراً إلى إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة تعليق الصفقة.يشار إلى أن العلاقات الإماراتية مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تندرج تقليدياً في نطاق التحالفات الاستراتيجية التاريخية، شهدت في عهد الرئيس بايدن نقلات مُلفتة عكست درجة غير مسبوقة من الاستقلالية التي تبدأ من القرارات النفطية ولا تنتهي بالترتيبات العسكرية والسياسية والأمنية.وأشار الخبراء الاستراتيجيون إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة رفضت مطالب الرئيس بايدن بتقنين إنتاج النفط رداً على الحرب الروسية في أوكرانيا، كما لم تشأ أن تنضم إلى التحالف الأمريكي الذي شكلته الولايات المتحدة في البحر الأحمر تحت اسم “حارس الازدهار”.وجاء ذلك بموجب إيمان من القيادة الإماراتية أن أي عملية أخرى في المنطقة بجانب الحرب الإسرائيلية على غزة، ستحدث خللًا عميقاً في الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط.وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، قد فسّرت عدم مشاركة الإمارات والسعودية ومصر في تحالف البحر الأحمر، بأن هذه الدول العربية لا ترغب في الارتباط بالولايات المتحدة في مغامرة عسكرية بالمنطقة.بالمجمل، فإن تقرير الصحيفة الأمريكية- إن صحت معلوماته- فهو منسجم تماماً مع الشواغل المرتبطة بالثقة بين العديد من العواصم العربية وبين الإدارة الأمريكية، فليس من الحكمة السياسية اليوم أن تغامر أي دولة بالدخول في جهد أمريكي عسكري، وفي ذات الوقت في الخلفية هناك هاجس بأن واشنطن قد تنسحب في أي وقت دون أي ترتيب أو تنسيق مع الحلفاء، وتعود إلى سياستها واستدارتها للصين.