جولته انتهت من دون مفاجآت لكنها أكدت رغبة المجتمع الدولي في طرح مرشح ثالث للرئاسة والرغبة بالتمديد لقائد الجيش
لودريان خلال لقائه قائد الجيش العماد جوزيف عون (الوكالة الوطنية)
كشفت اللقاءات التي عقدها الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، تراجع أولوية النقاش في الملف الرئاسي إلى المرتبة الثالثة بعد ملفي التمديد لقائد الجيش اللبناني جوزيف عون وملف التوتر على الحدود الجنوبية بين “حزب الله” وإسرائيل وإمكانية نزع فتيل اشتعال النزاع عبر تطبيق القرار الدولي 1701، في حين لم يطرح أي جديد على مستوى المبادرة الرئاسية، لكنه يحمل تحذيراً من مغبة الاستمرار في الشغور الرئاسي.
وبرأي معظم الأجواء المرتبطة باللقاءات، فقد انتهت جولة لودريان من دون مفاجآت أو نتائج ملموسة، ومن دون حدوث تغيير في المواقف السابقة لدى القوى السياسية اللبنانية، وبالتالي لا تقدماً أو اختراقاً في جدار الانتخابات الرئاسية، إلا أنها في المقابل ثبتت رغبة المجتمع الدولي، لا سيما “الخماسية” الدولية بالتأكيد على طرح مرشح ثالث لرئاسة الجمهورية، إضافة إلى الرغبة بتمديد ولاية قائد الجيش.
ويبدو أن لودريان الذي كانت مهمته كموفد فرنسي محصورة بالملف الرئاسي اللبناني، اتسع دوره ليصبح ممثلاً شخصياً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وخصوصاً بعد تعيين كبير مستشاري الإدارة الفرنسية باتريك دوريل سفيراً لفرنسا في العراق، والأمر نفسه تكرر مع أموس هوكشتاين الذي انتقل من مستشار للرئيس الأميركي في شؤون الطاقة إلى موفد خاص للرئيس جو بايدن في الشرق الأوسط.
منطقة عازلة
وبحسب المعلومات أبلغ لودريان المسؤولين اللبنانيين اقتناع الدول الغربية بضرورة إقامة منطقة عازلة في جنوب لبنان بعمق يتراوح بين 20 و25 كلم عن الحدود الإسرائيلية، وهي جغرافياً منطقة جنوب نهر الليطاني، وأن هناك نقاشات حول إمكانية تحويل صيغة القرار الدولي 1701 الذي يؤكد ضرورة انسحاب الحزب إلى شمال الليطاني، وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ووفق المعلومات نقل للمسؤولين اللبنانيين تحذيرات غربية من إمكانية تذرع إسرائيل بوجود “حزب الله” العسكري ضمن مناطق جنوب الليطاني للتحجج بعدم فعالية القرارات الدولية، وبالتالي الذهاب نحو شن عدوان على لبنان لفرض أمر واقع جديد، سواء عبر حشر مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار متشدد أكثر من الـ1701 أو فرض معادلة ميدانية تبعد من خلالها أخطار الحزب عن حدودها الشمالية.
الرئاسة مقابل الحدود
وفي وقت سُربت معلومات أن لودريان أوحى خلال لقاءاته مع كل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس كتلة “حزب الله” النيابية محمد رعد، إمكانية مقايضة قبول الحزب بالانسحاب من مناطق جنوب نهر الليطاني وبالتالي القبول بالمطلب الإسرائيلي مقابل تسهيل وصول مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، إلا أن مصادر الحزب نفت هذه المعلومات مؤكدة أن “كل من يراهن على تراجع الحزب من مناطق الحدود الجنوبية هو واهم”.
من ناحيتها، أكدت عدة مصادر من المعارضة رفضها المسبق لأي مقايضة من هذا القبيل على رغم أنه لم يطرح أمامها عرض كهذا، مشددة على دعمها تطبيق القرارات الدولية بكامل بنودها ومدرجاتها.
مواكبة أميركية
وواكبت السفارة الأميركية في بيروت طروحات لودريان عكستها في موقف لافت على حسابها في منصة “إكس”، حيث حرصت على عدم الحديث عن أي تعديل للقرار 1701 بل تطبيقه وقالت: “لا نزال نشعر بالقلق إزاء احتمال امتداد هذا الصراع إلى ما هو أبعد. وعلى وجه الخصوص، لا تريد الولايات المتحدة رؤية صراع في لبنان، حيث ستكون للتصعيد آثار خطرة على السلام والأمن الإقليميين، وعلى رفاهية الشعب اللبناني. إن استعادة الهدوء على طول الحدود الإسرائيلية- اللبنانية أمر في غاية الأهمية”.
وأضافت “يشكل التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 1701 عنصراً رئيساً في هذا الجهد”، وتابعت السفارة الأميركية “تؤدي اليونيفيل دوراً حيوياً على طول الخط الأزرق، ونتوقع أن تعمل جميع الأطراف على ضمان سلامة قوات حفظ السلام”.
اقرأ المزيد
- موفد ماكرون يزور لبنان للمرة الرابعة ويحمل عناوين ثلاثة
- هل القرار الأممي 1701 يمكن أن يمنع التصعيد في جنوب لبنان؟
- لودريان: على المسؤولين اللبنانيين إيجاد خيار ثالث للرئاسة
- لودريان إلى لبنان سعيا لإنهاء الأزمة السياسية
الدقائق السبع
وكانت الزيارة السريعة التي قام بها لودريان إلى مقر رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لافتة، حيث لم تدم سوى سبع دقائق، مما عكس التباين الكبير في وجهات النظر حيال الملفات المطروحة، إذ أشارت المعلومات إلى أن لودريان قال لباسيل، إن كل الكتل النيابية موافقة على التمديد لقائد الجيش جوزيف عون ومن ضمنها حليفه “حزب الله”، الأمر الذي رفضه باسيل واعتبره مخالفاً للدستور والقوانين وأن التيار “لن يكسر هذا المبدأ”.
وفي السياق أوضح مستشار رئيس “التيار الوطني الحر” أنطوان قسطنطين، أن سبب سرعة اللقاء واقتصاره على دقائق معدودة هو بسبب عدم وجود أي جديد في موضوع ملف رئاسة الجمهورية، مؤكداً استمرار التقاطع مع المعارضة وبرلمانيين على ترشيح جهاد أزعور.
وكشف أن باسيل فوجئ بطلب الموفد الفرنسي التمديد لقائد الجيش اللبناني، فكان جواب باسيل أن هذا الأمر مخالف للدستور والقوانين، مؤكداً أنه لم يحصل أي إشكال مع لودريان، وأنه استُقبل بحسب البروتوكول.
الخيار الثالث
وكشف النائب في البرلمان مارك ضو، أن لودريان أبلغه بأن مبادرته تأتي بالتنسيق مع موقف “الخماسية” الدولية، عبر طرح خيار ثالث لرئاسة الجمهورية، بعيداً عن الاسمين المطروحين سليمان فرنجية وجهاد أزعور، مشيراً إلى أن “الثنائي الشيعي” لا يزال متمسكاً بطرح فرنجية ويحاول إسقاط خيار ثالث.
وفي موضوع التوتر على الحدود الجنوبية، أكد أنه وزملاءه النواب الذين التقوا لودريان طالبوا بإصدار موقف موحد من اللجنة الخماسية، لجهة الدعوة إلى استكمال تطبيق القرار 1701 كاملاً، كمدخل لاستقرار الجنوب وحماية لبنان وتحييده عن الحرب، وطلبوا من الموفد أن يكون واضحاً في هذا الموضوع.
زيارة استطلاعية
من جانبه لفت الكاتب والمحلل السياسي جورج علم، إلى أن زيارة الموفد الفرنسي إلى بيروت، هي زيارة مبعوث دولة لها مصالح حيوية في لبنان، فرنسا لديها مؤسسات تربوية وتجارية وأمنية في لبنان، إضافة إلى وجود أكبر كتيبة في قوات “اليونيفيل” تابعة لفرنسا، وبالتالي هذه الزيارة بعنوانها العريض هي “استطلاعية”.
وبرأيه “فإن لودريان لا يحمل مبادرة خاصة بالاستحقاق الرئاسي خصوصاً أنه يعطي أولوية حالياً في ملف قيادة الجيش اللبناني، وربما فرنسا قلقة من حصول فراغ في قيادة الجيش، لذلك جاء للاستطلاع ما إذا كان هناك فعلاً من فراغ أو سيصار إلى ملء هذا الشغور في حال حصوله بالتمديد للقائد الحالي أو تعيين قائد جديد، هذه النقاط ناقشها مع كل من رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة”.
ولفت إلى أن الموفد الرئاسي الفرنسي كان واضحاً بدعوة كل الأطراف إلى التفاهم والتحاور والاتفاق على انتخاب رئيس، مؤكداً أن “استمرار الفراغ ليس لمصلحة لبنان ولا لمصلحة وحدة شعبه”.
وشدد على أن “فرنسا تدعم من دون أدنى شك عدم فتح جبهة في جنوب لبنان، وبالتالي هي حذرة من هذا الموضوع، وسبق أن تدخل الرئيس الفرنسي مع كل من الرئيس الإيراني ورئيس الوزراء الإسرائيلي لمنع تفاقم الوضع على جبهة الجنوب، لاعتبارين، الأول أنه ليس هناك من مصلحة لأن ينخرط لبنان في هذا الصراع، إضافة إلى أنه إذا فتحت هذه الجبهة فسيكون هناك خطر حقيقي على قوات اليونيفيل وهذا ما تحذر منه فرنسا