صورة وخبر

كنتُ أعبر عن حبي لفلسطين بواسطة الكاميرا، هي ذهبت، وبقي حُب فلسطين ( واجد النوباني) قصه حقيقيه

الشرق برس ٦ كانون الثاني ٢٠٢٣

إنها الجمعة الأخيرة من رمضان، بعد ذلك ستكون محاولات الدخول أصعب.. قبل انتصاف الليل بدقائق كنت أشعر بضيق كبير لاشتياقي للمدينة، أغمضتُ عينيّ وقررت النوم كي لا أظل أفكر، وفجأة نفضتُ الغطاء ونهضت عن السرير بسرعة وارتديت الثياب وحملت حقيبتي التي تحوي الكاميرا وركضت باتجاه الشارع الرئيسي..
الليل مخيف في البلاد لوجود المستعمرات، الخط الرئيسي شبه فارغ بسبب الوقت المتأخر والحواجز، لكن لحسن الحظ مرّت تكسي ذاهبة باتجاه رام الله، قبل الواحدة فجراً كنت قد وصلت رام الله
ركضت باتجاه سيارات قلنديا التي توصل لحاجز بلدة قلنديا شمال القدس، كانت رام الله تفيض بالناس والمركبات والازمة الخانقة، لذلك كانت سيارة الأجرة تسير ببطء شديد، فقررت النزول، وأكملت ما تبقى من طريق طويلة ركضا متواصل حتى وصلت حاجز قلنديا، ومن هناك أكملت المشي باتجاه مفترق بلدة الرام، قبل المفترق توقفت عند سوبرماركت ولم يكن يوجد شبان، ثم جاءت سيارة نوع كادي وسمعتهم يتحدثون عن التهريب للقدس..
اقتربت منهم، أخبرني الشاب السائق بأنه يحمل شبان وسيوصلهم لمقطع من الجدار ليقفزوا عنه، فقلت بأني سأصعد معهم رغم شعوري بشيء من الخوف، فهؤلاء من الممكن أن يكونوا من المستعربين..

مشت السيارة، وقامت بإنزالنا على الشارع الرئيسي قرب مقطع من الجدار قبل حاجز الزعَيِّم، الشاب أخبرنا قبل الوصول بأن هناك سلّم وحبل للقفز، وبأن الطريق بعد القفز عن الجدار للوصول لبلدة العيسوية ستسغرق حوالي 3 دقائق، وفي الحقيقة قام بخداعنا وهذا فوق المبلغ الذي أخذه منا… لم يكن يوجد لا سلم ولا حبل.. لكننا صعدنا على خشبة واستطعنا جميعا وصول أعلى الجدار، ومن ثم قفزنا للاتجاه الآخر، هناك حيث سنصعد جبلا تعلوه بلدة العيسوية داخل القدس..
كنتُ بالطبع خائفا بشدة على كاميرتي العزيزة، فألقيت الحقيبة للشاب الذي سبقني حتى لا أقفز من فوق الجدار وأنا أحملها، فلو سقطت ستتحطم الكاميرا..
خلال الصعود في ذلك المكان الجبلي، كانت الطريق غير ظاهرة ولا نعرف حتى في أي اتجاه نسير، فمشينا أولا باتجاه خاطئ، ثم رجعنا وصعدنا في اتجاه آخر كان صحيحا..
قبل الوصول للشارع بالأعلى الذي يمر منه جيش وشرطة ومستوطنين، اتفقنا على الاختباء وراء الشجرة ونحن بالطبع لا يعرف أي واحد منا الآخر ولم يجمعنا سوى الاشتياق للقدس ودخول المسجد الأقصى.. من خلف الشجرة التي اختبأنا ورائها كنا ننتظر مرور كل مركبة اسرائيلية ثم يقوم شابين بقطع الشارع ومواصلة صعود الجبل حتى وصول بيوت الفلسطينيين في العيسوية بالقدس، وهكذا وصلنا جميعا..

إتصلنا بالرقم الذي أعطانا إياه الشاب الذي لا نعرفه وأخبرنا بأن هذا رقم لسائق باص من القدس وحين نصل العيسوية نتصل به ليوصلنا باب العمود في القدس القديمة.. لقد خدعنا أيضا وكان الرقم غير مستخدم! وحين اتصلنا بالشاب للتأكد، كان لا يجيب..!

استقبلنا عدد من سكان العيسوية وقدموا لنا الماء، لكن أحد سائقي الباصات اعتذر منا ورفض إيصالنا خشية من جنود الاحتلال، وهو غير مخطئ بالتأكيد وقد أوضح أن عليه مخالفات وإنذارات من قبل.. بعد ذلك زودونا برقم سائق آخر، أوصلنا لكنه طلب أجرة مضاعفة وبالطبع قبلنا بذلك فالمهم أن نرى القدس… بعد 7 دقائق تقريبا وصلنا القدس ورأينا المدينة التي جئنا لأجلها..

عندما رأيت جنوداً كُثُر على باب العمود، خفت أن يوقفوني ويصادروا الكاميرا ويرجعوني أو يعتقلوني، لكن الخوف الحقيقي كان فقط الكاميرا، لذلك توقفت عند بائع عربي في المكان، فاحتشاد الناس كان هو ما سيشحعني على الدخول، لكن في لحظات الفجر المتأخر تلك كان باب العمود شبه فارغ..

رأيت نساء قادمات ويتجهن نحو باب العمود للدخول للبلدة القديمة من القدس، فاقتربت ومشيت معهن وأخبرتهن بأني دخلت تهريب، وسأمشي برفقتهن حتى وصول المسجد الأقصى.. إحدى الفتيات حملت حقيبة الكاميرا عني، فالجنود غالبا يوقفون الشبان، ثم طلبت إحدى النساء مني أن أمسك بيد طفل من الأطفال معهن وذلك لأبدو وكأننا عائلة واحدة..

مضينا عبر أزقة القدس وكان انتشار الجنود كبير… لكننا وصلنا ودخلنا المسجد الأقصى ورُفع آذان الفجر وشكرت العائلة المقدسية التي لا أعرفها وكانوا جميعا سعداء بأني دخلت، لقد قضيتُ ذلك اليوم الرائع في الأقصى حتى موعد أذان المغرب والإفطار ثم غادرنا المدينة المقدسة.. كان مهما بالنسبة لي أن تظل الكاميرا بخير لذلك غادرت القدس مع عائلتي التي صادفت وجودها هناك.. فقدت قدمت الحقيبة ليحملها غيري وحملتُ أنا طفلا من العائلة.. غادرنا القدس وظلت الروح هناك وستظل..
الكاميرا التي كنتُ أحبها وبقيت بخير في كثير من الأحداث، حطمها جندي بعد اقتحام بيتنا، هكذا في ثانية واحدة يُخرجها من الحقيبة ويضربها للأرض.. إذن علي أن أحب فلسطين أكثر، وأن أحب القدس أكثر، وهذا ما فهمته، وبعد كل ما حدث ازداد حبي لهذه للبلاد… كنتُ أعبر عن حبي لفلسطين بواسطة الكاميرا، هي ذهبت، وبقي حُب فلسطين، ثمة عاطفة لا تموت ولا تُنتزَع بل تزداد..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى